في تطور لافت يحمل في طياته تداعيات جيوسياسية واقتصادية عميقة، كشف موقع “بوليتيكو” الإخباري عن دعوة صريحة وجهها الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى أوروبا خلال لقائه الأخير برئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز. ووفقًا للموقع، حث الرئيس الصيني أوروبا وبكين على العمل المشترك لمقاومة السياسات التجارية الحمائية التي يتبناها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وذلك بهدف حماية التجارة الدولية العادلة.
تأتي هذه الدعوة الصينية في سياق يكتنفه القلق المتزايد في كل من بكين وبروكسل إزاء احتمالية عودة دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة في الولايات المتحدة. فخلال فترة ولايته الأولى، اتخذ ترامب خطوات تصعيدية في مجال التجارة الدولية، حيث فرض رسومًا جمركية باهظة على واردات من الصين وأوروبا على حد سواء، مما أثار توترات واسعة وعرقل سلاسل الإمداد العالمية.
ويبدو أن القيادة الصينية تستشعر خطرًا حقيقيًا من تكرار هذه السيناريوهات في حال عودة ترامب إلى البيت الأبيض، وهو ما دفع الرئيس شي إلى طرح فكرة التعاون مع أوروبا كآلية لمواجهة هذه التهديدات المحتملة. فالصين وأوروبا، على الرغم من وجود بعض الخلافات التجارية بينهما، تشتركان في مصلحة أساسية تتمثل في الحفاظ على نظام تجاري دولي متعدد الأطراف وقائم على القواعد، وهو النظام الذي يرى الكثيرون أنه مهدد بسياسات “أمريكا أولاً” التي يتبناها ترامب.
إن دعوة الرئيس الصيني لأوروبا للعمل المشترك تثير تساؤلات جوهرية حول مستقبل العلاقات الدولية والتوازنات الاقتصادية العالمية. فهل يمكن أن نشهد بالفعل تحالفًا صينيًا أوروبيًا لمواجهة الضغوط التجارية الأمريكية المحتملة؟ وما هي الآثار المترتبة على مثل هذا التحالف على النظام العالمي؟
من الناحية النظرية، يمتلك كل من الصين وأوروبا ثقلًا اقتصاديًا وسياسيًا كبيرًا يمكن أن يجعلهما قوة موازنة مؤثرة في وجه أي محاولات لتقويض النظام التجاري الدولي. فالصين هي ثاني أكبر اقتصاد في العالم وقوة تصنيعية عظمى، بينما يمثل الاتحاد الأوروبي سوقًا استهلاكيًا ضخمًا وتكتلًا اقتصاديًا وسياسيًا هامًا.
إلا أن تحقيق مثل هذا التحالف على أرض الواقع يواجه تحديات كبيرة. فالعلاقات بين الصين والاتحاد الأوروبي تشهد بعض التوترات بسبب قضايا مثل حقوق الإنسان، والممارسات التجارية الصينية، وموقف بكين من الحرب في أوكرانيا. كما أن الدول الأوروبية لديها علاقات اقتصادية وأمنية وثيقة مع الولايات المتحدة، وقد تتردد في الانخراط في تحالف صريح ضد واشنطن.
ومع ذلك، فإن التهديد المشترك الذي قد تمثله عودة ترامب بسياساته التجارية الحمائية قد يكون عاملًا محفزًا يدفع الصين وأوروبا إلى تجاوز خلافاتهما والبحث عن أرضية مشتركة لحماية مصالحهما الاقتصادية. وقد يتجسد هذا التعاون في تنسيق المواقف في المحافل الدولية، وتبني استراتيجيات مشتركة لمواجهة أي رسوم جمركية أو إجراءات تجارية تمييزية محتملة من قبل الولايات المتحدة.
في الختام، فإن دعوة الرئيس الصيني لأوروبا للتحالف لمقاومة ترامب تمثل تطورًا بالغ الأهمية يستدعي مراقبة دقيقة. ففي حال نجاح هذا التقارب، قد نشهد ميلاد قطب تجاري جديد قادر على التأثير بشكل كبير على مستقبل التجارة الدولية وتوازنات القوى العالمية. أما إذا ظلت الخلافات تعيق هذا التعاون، فإن العالم قد يجد نفسه أمام سيناريو آخر من التوترات التجارية وعدم اليقين في حال عودة ترامب إلى السلطة. يبقى السؤال معلقًا حول ما إذا كانت المخاوف المشتركة ستنجح في بناء جسر من التعاون بين الصين وأوروبا في مواجهة التحديات القادمة.
نقلا عن بوليتيكو










